المواطن/ كتابات ـ عيبان محمد السامعي
تعيش الأحزاب السياسية في اليمن في حالة كساح عام, وهذا يعود إلى طبيعة الأزمة البنيوية المركبة التي تنهش هياكلها, إذ تتعدد مظاهر هذه الازمة وأسبابها وعواملها وآثارها الماحقة على العمل السياسي والفعل المدني في البلاد.
الأمر الذي يفرض على معشر الباحثين تشريح هذه الأزمة بمبضع نقدي جاد سعياً لإخراج الأحزاب السياسية منها واستعادة دورها.
وكمحاولة أولية, نسلط الضوء في هذه التناولة على ما نسميها “الأبوية السياسية” باعتبارها إحدى أوجه أزمة الأحزاب السياسية اليمنية.
وتقوم الأبوية السياسية على تهميش الشباب وإقصاءهم مادياً ومعنوياً من المشاركة الفاعلة داخل البنى الحزبية, واحتكار المراكز القيادية, وقد وصل الأمر إلى درجة احتكار الأحكام القيمية والصواب والخطأ, وما يجوز وما لا يجوز, واصطناع تراتبية جيلية تقوم على أساس معيار السن في تصنيف الأعضاء وهو معيار تقليدي غير علمي يتناقض جوهرياً مع الديمقراطية والقيم المواطنية الحداثية, ويعمل على تعميق وتوسيع الفجوة الجيلية (الفجوة بين جيل الكبار وجيل الشباب), عوضاً عن تجسير هذه الفجوة والبحث عن سبل كفيلة لتحقيق التلاقح والتكامل بين الجيلين.
ويصل الأمر بالأبوية السياسية إلى تبخيس قيمة الشباب, والتقليل من قدراتهم, والحط من شأنهم, فما دمت شاباً فأنت لا تزال “كتكوتاً” ــ وفق وصف أحدهم ــ, لا تفهم شيئاً, أما إن تجرأت في توجيه نقد موضوعي ــ وهو حقك الطبيعي والقانوني والإنساني ــ لمن هو أكبر منك, فقد اقترفت خطيئة تستوجب الويل والثبور وعظائم الأمور!!
فات على الأبوية السياسية هذه حقائق جلية, تتمثل في أن معظم التجارب السياسية الناهضة في تاريخ بلدنا كان الشباب يلعب دوراً محورياً فيها, فالحركة الوطنية اليمنية نشأت وتنامت في أوساط الشباب, وكان الشباب طليعة التغيير الثوري في مختلف المحطات التاريخية ابتداءً من ثورة 1948م, مروراً بانتفاضتي 1955م و1959م, وثورة 26 سبتمبر 1962م وثورة 14 أكتوبر 1963م والاستقلال الناجز في 30 نوفمبر 1967م, وصولاً إلى ثورة 11 فبراير 2011م.
علاوة على أن معظم الأحزاب السياسية اليمنية نشأت وتأسست بسواعد الشباب, فـ “الحزب الاشتراكي اليمني” مثلاً الذي تأسس رسمياً في 13 أكتوبر 1978م كانت معظم قيادته من الشباب بمن فيهم مؤسسه الشهيد عبدالفتاح اسماعيل الذي لم يبلغ حينها عمر الأربعين عاماً.
ومن الأمور الملفتة أن مراحل الاستنهاض الوطني والثوري تحققت عندما كان الشباب يقود المشهد الحزبي والسياسي. وفي مقابل ذلك عندما فرضت الأبوية السياسية سلطويتها على البنى الحزبية وعلى المجال العام وعلى معايير الصواب والخطأ, شاع الجمود والتكلس وانسداد الآفاق في السياسة, وتآكلت كوامن فاعلية الأحزاب, وانحسر نشاطها, وابتعدت رويداً رويداً عن قواعدها وقواها الاجتماعية لتتحول في نهاية المطاف إلى أعجاز نخل خاوية..!
وللخروج من هذه الأزمة “المخنق” لابد أولاً وقبل كل شيء تصحيح النظرة تجاه الجيل الشاب, وإشراكه بفاعلية في الحياة السياسية والحزبية.
إن مجتمع المشاركة هو مجتمع مدني بالضرورة, يفرز الناس حسب عطائهم وإنجازهم لا وفق امتيازات أو أفضليات تعود لتفوق وهمي بحسب العمر/ السن أو الجنس أو النوع أو اللون أو الدين أو المذهب أو المكانة الاجتماعية أو المرتبة الاقتصادية.
إنه مجتمع الديمقراطية التشاركية, حيث لا يُقصى فيه أحد, ولا يقلل من شأن ومكانة أحد, بل الجميع يشارك بفعالية وبتكاملية وبحسب القدرات والإمكانات الذاتية والموضوعية.